اخترت لك هذه المادة :

الأربعاء، 4 فبراير 2009

تيسير العلام بالتعريف بدين الإسلام (1)


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه من سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد :

فقد آن الأوان للشروع في مقصود هذه المدونة ، ببيان منهج الإسلام وفضح ما عداه من المناهج ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينه ، وسيكون ذلك بعرض عدة مقالات في التعريف بدين الإسلام بأسلوب سهل قريب المنال لكل طالب للحق وساعٍ إليه ، أما أولئك الذين يزورون هذه المدونة وأكوابهم قد امتلئت بالأهواء والشهوات وليس لهم هم إلا إلقاء الشبهات وتعكير الصافي فلم أعنَّ بهم ولم ألتفت إليهم ويممت القصد لا ألوي على شيء عسى الله رب العالمين أن يبلغنا الغاية التي إليها نطمح وهي : تعريف الخلق بدين الحق الذي جاء به نبي الصدق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم أتلو ذلك بعدد من المقالات في نقض منهج الدروز من خلال كتبهم هم ، وليس لهم كتب يعتد بها لدى العقلاء من بني آدم وإنما هي ترهات وأوهام وأباطيل لفقوها واخترعوها وعدوها ديناً ولم يطلعوا عليها أحداً لما اشتملت عليه من أمور منافية لبداهات العقول ومسلمات الأفهام.
ثم أثني بالروافض أصل الحمأة ومنبع الفتن والأحقاد الذين شوهوا صفحة الإسلام على مرِّ العصور ، ومكروا بالإسلام وأهله ، ودخل على أهل الإسلام بسببهم وما زال من البلايا والمحن ما الله به عليم.
وهكذا الفرق تأتي تباعًا فمرجئة ، وقدرية ، ومعتزلة ، وإسماعيلية ، وخوارج ، وأباضية ، وزيدية ....... وهلم جرا
أسأل الله - تعالى - أن يمد في الأجل ، ويبلغني ما إليه أطمح بفضله وكرمه ومنه إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو على كل شيء قدير.
وبعد :
فإن الله عز وجل بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وهو الإسلام الذي بعث الله به الرسل جميعاً حيث قال سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الّلهِ الإِسلاَم ﴾ سورة آل عمران، الآية ١٩
وقال سبحانه :﴿ ومَن يبتغِ غَير الإِسلاَمِ دِينا فَلَن يقْبلَ مِنه و هُوَ فِي الآخِرة مِن الْخاسِرِين ﴾ سورة آل عمران، الآية ٨٥
فالإسلام هو : دين الله الذي بعث به جميع المرسلين من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كان عليه أبونا آدم ، فإن الله بعثه لنفسه وذريته نبياً على شريعة علَّمه إياها وشرعها له فاستقام عليها وكذلك ذريته من بعده ، حتى اجتالتهم الشياطين عن صراط الله المستقيم فبعث الله نوحاً ومن بعده من المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
فالإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. هذا هو الإسلام.
فأصل دين الإسلام وأساسه هو توحيد الله عز وجل، وإخلاص العبادة له وحده سبحانه وتعالى، هذا هو أصل دين الإسلام : أن تكون العبادة لله وحده من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يكون لله وحده، ولهذا بعث الله الرسل جميعاً، كما قال عز وجل: ﴿ ولَقَد بعثنا فِي كُلِّ أُمةٍ رسولاً أَنِ اعبدواْ الّله َواجتنبواْ الطَّاغوت ﴾ سورة النحل، الآية ٣٦
ومعنى: ﴿ اعبدواْ الّله ﴾ يعني وحدوا الله ، خصوه بالعبادة . ﴿ واجتنبواْ الطَّاغوت ﴾ يعني اتركوا عبادة ما سوى الله، والطاغوت : كل ما عُبِدَ مِنْ دون الله من شجر أو حجر أو صنم أو كوكب أو غير ذلك، كله طاغوت.
لكن إذا كان المعبود لا يرضى بذلك كالأنبياء والملائكة والصالحين، فالطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس وهم براءٌ من ذلك.
فأصل دين الإسلام هو هذا: إخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه والكفر بعبادة غيره، يعني إنكار عبادة غيره واعتقاد بطلانها وأنها شرك بالله عز وجل.
هكذا بعث الله جميع الرسل، من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهكذا علَّم الله آدم وشرع له، فعبد الله وحده،وهكذا ذريته على دينه عليه الصلاة والسلام، حتى وقع الشرك في بني آدم قبيل عهد نوح عليه الصلاة والسلام. وكل رسول بلَّغ أمته أنه مبعوث لهم ليأمرهم بتوحيد الله والإخلاص له :
فنوح ٌ- عليه السلام - قال لقومه : ﴿ اعبدواْ اللَّه ما لكم من إله غيره ﴾ كما في سورة الأعراف، الآية ٥٩.
وهكذا هود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وغيرهم، كلهم قالوا لقومهم: ﴿ اعبدواْ اللَّه ما لكم من إله غيره ﴾ كما في سورة الأعراف، الآيات (٦٥،73،85) – وسورة هود ، الآيات (50،61،84) – وسورة المؤمنون، الآيات (23،32).
وهكذا موسى عليه الصلاة والسلام قال لقومه : ﴿ اعبدواْ اللَّه ما لكم من إله غيره ﴾، ﴿ إِنَّما إلهكم اللهُ الَّذي لا إله إلا هو وَسِعَ كلَّ شيءٍ علمًا ﴾ سورة طه، الآية ٩٨.
وهكذا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قال لقومه ذلك قال : ﴿ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ﴾ سورة المائدة، الآية ١١٧
وهكذا محمد صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله قال لقومه :" اعبدوا الله ما لكم من إله غيره "، وكان يعلمهم ويقول لهم: " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " رواه الإمام أحمد في المسند برقم (15593)، وابن حبان (14/6562)
فهذه دعوة الرسل جميعاً، إنهم دعوا الأمم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، وتوجيههم إليه سبحانه بجميع حاجاتهم، في توكلهم ، في خوفهم ، في رجائهم ، في طلب الجنة، وطلب النجاة من النار، وطلب الرزق، وطلب العافية، وهكذا يخافونه ويرجونه ويُصَلُّونَ له ، ويصومون ويذبحون وينذرون؛ يرجون ثوابه ويخشون عقابه.
ومكث محمد صلى الله عليه وسلم في قومه في مكة عشر سنين، يدعوهم إلى توحيد الله قبل كل شيء، وينهاهم عن الشرك وهو التعلق بغير الله من الأشجار والأحجار والأصنام ونحو ذلك، ويقول لهم : " يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ".
ومما ينبغي التنبيه عليه أن ما يتعلق بالأسباب الحسية ليس داخلاً في الشرك ولا في منافاة التوحيد ، وهي ما يتعلق بالأسباب الحسية مع الناس الحاضرين الموجودين ليس من الشرك في شيء، فإذا قال الإنسان لأخيه أو لشخص آخر من الناس : افعل كذا، ساعدني في كذا، اعمل لي كذا، كأصلح سيارتي، اعمل في مزرعتي، أحضر لي كذا وكذا، احمل هذا الشيء الثقيل، وهو يقدر على ذلك ويعلم أنه يقدر على ذلك، هذه أمور حسية ليس فيها شرك وليس فيها محظور، وإنما المراد بدعوة الله وحده وخوفه ورجائه ونحو ذلك فيما لا تعلق له بالأسباب الحسية مع الحاضر القادر الموجود، فإذا كان شخص حاضر موجود فكلَّمه أخوه أو صاحبه أو من يحتاج إليه من الناس يقول له : افعل كذا وافعل كذا بأجر أو بغير أجر فليس هذا من الشرك، وليس هذا منافياً للتوحيد بل هذه أمور حسية جائزة، فعلها الرسل وفعلها المسلمون فليست من الشرك، فإذا قال : يا فلان افعل كذا، ادع الله لي، استغفر لي، ساعدني في كذا، أعني على كذا، مما هو يقدر عليه أو يسمعه، أو بمكاتبة أو بالهاتف عن طريق الهاتف أو التلكس، في أمور يقدر عليها، ليس هذا من الشرك.
إنما الشرك أن يدعو ميتاً أو جماداً أو حياً يعتقد أنه يتصرف في الكون أو أن له قدرة وخاصية يتصرف في الكون دون الله، هذا هو الشرك الذي جاءت الرسل بالنهي عنه والتحذير منه، أما الأمور الحسية المعلومة التي يفعلها الإنسان مع الشخص الآخر الحاضر الحي الذي يقدر عليها بالمشافهة أو من طريق الكتابة أو التلكس أو الهاتف فهذه أمور جائزة حسية لا محظور فيها وليست من الشرك في شيء، كما قال الله – تعالى - في سورة القصص : ﴿ فَاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ﴾ سورة القصص، الآية ١٥

فينبغي التنبه لهذا؛ لأن بعض الجهلة يشتبه عليه هذا الأمر.

· ومما ينبغي معرفته حول هذا الأصل أيضًا :

أن العبد لكي يكون موحدًا لله حقًا ينبغي أن يستكمل التوحيد بأقسامه الثلاثة وهي :
1. توحيد الربوبية : وهو إفراد الله تبارك وتعالى بالخلق والملك والتدبير ؛ فلا خالق إلا الله ، ولا رازق إلا الله ، ولا محيي ولا مميت إلا الله ، ولا مالك في الحقيقة إلا الله ، ولا تصرف لأحد كائنًا من كان في ملك الله سبحانه ، قال تعالى : ﴿ ألا له الخلق والأمر
ومما ينبغي معرفته أن هذا القسم من أقسام التوحيد ليس محل نزاع بين عامة بني آدم ؛ فكلهم مقرٌ به إلا من شذَّ شاردًا ، والإقرار به وحده دون بقية الأقسام لا يخرج من الكفر ، ولا يدخل الإسلام ، ولا يعصم دم قائله إلا إذا انضم إليه بقية الأقسام ، قال تعالى حاكيًا عن مشركي العرب الذين كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقبلوا التوحيد ؛ ولذلك قاتلهم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ﴾ ، وقال جل ذكره : ﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ﴾ ، ومع هذا لم يخرجوا عن كونهم مشركين مكذبين وكفارًا معاندين ، فما هذا ؟ ما يفسر هذا معرفة القسمين الآخرين من أقسام التوحيد وهما :
2. توحيد الألوهية : وهو إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة ، من : صلاة وصيام وحج ونذر وذبح ودعاء وخوف ورجاء ومحبة واستغاثة واستعانة وإنابة وخضوع وخشوع ... وغير ذلك من أنواع العبادات . قال تعالى : ﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ﴾ ، وقال - جل ذكره - : ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ﴾ سورة البينة الآية 5
وهذا التوحيد هو الذي جاءت به الرسل ، كما أخبر القرآن عنهم أنهم دعوا أقوامهم بقولهم : ﴿ اعبدواْ اللَّه ما لكم من إله غيره ﴾ ، وهو معني الكلمة الطيبة " لا إله إلا الله " أي : لا معبود حق إلا الله ، وهذا التوحيد هو الذي من أجله خلقت السماوات والأرض ، والجنة والنار ، والجن والإنس ، ومن أجله دارت رحى الحرب بين حزب الرحمن وحزب الشيطان ، وهو بعينه الذي أنكره المشركون ولم يقبلوا به ، قال تعالى حاكيًا إعراضهم وتكذيبهم : ﴿ أجعل الآلهة إله واحدا إن هذا عجاب ﴾ سورة ص.
3. توحيد الأسماء والصفات : وهو إفراده سبحانه في أسمائه وصفاته ، فكما أنه واحد في ذاته ، فهو واحد في صفاته ، لا يشبه المخلوقين ولا يشبهه المخلوقون ، مستوٍ على عرشه بذاته ، قريب من خلقه بإحاطته وعلمه ، له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، عرفنا بنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله ، فالمؤمنون الموحدون حقاً يعرفون ربهم في الدنيا بأسمائه وصفاته ، ويعرفونه في الآخرة دون غيرهم من أهل الملل والأهواء .
وينبغي علينا لكي نحقق هذا القسم من أقسام التوحيد أن :
- نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابة وما أثبته له نبيه - صلى الله عليه وسلم - في سنته من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تشبيه ولا تمثيل ، ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ .
- لا نشبهه - سبحانه - في شيء من صفاته بصفات المخلوقين ، ولا نشبه المخلوقين به سبحانه وتعالى ، فمعلوم أن الصفات على قدر الذوات ، وذاته سبحانه ليس كمثلها ذات ؛ ولذلك فصفاته ليس كمثلها صفات.
- لا نُسمِّ الله - تبارك وتعالى - بما لم يسم به نفسه ولم يسمه به نبيه - صلى الله عليه وسلم .

ومن العجيب أن عامة المتكلمين في أمر التوحيد في هذه الأيام - إلا من رحم الله - يركزون على القسم الأول - توحيد الربوبية - ويهملون الكلام عن بقية الأقسام عن عمدٍ أو عن جهلٍ ، وكأنهم يخاطبون أقوامًا لا يقرون بربوبية الله تعالى ، يفعلون ذلك وهم يمارسون الدعوة بين الجماهير المسلمة ، وكأنهم يخاطبون أقواماً أشد كفرًا من أبي جهل وأبي لهب وأضرابهم ؛ لأن هؤلاء لم ينكروا هذا التوحيد ، ولو جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إليه ما كذبوه ولا عاندوه ، ولكن عاندوه وقاتلوه وأخرجوه وآذوه بسبب أن يعلمون أن معنى " لا إله إلا الله " هو : أن يصرفوا العبادة بجميع أشكالها لله رب العالمين وأن ينبذوا ما كان يعبد آباؤهم وأسلافهم ، والقرآن كله من أوله إلى آخره شاهد على ذلك.

وبعد : فهذا شرح مجمل حول هذا الأصل الأول من أصول الإسلام ، والذي هو أصل الأصول ، وللموضوع بقية تأتيكم قريباً في مقال تالٍ . وأرجو من الإخوة التواصل بالتعليقات والاستفسارات والنصائح ومن وراء ذلك الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء.